مرحبا… أنا شاعر، وأبحث عن عمل

مرحبا… أنا شاعر، وأبحث عن عمل
لي ديوانان مطبوعان، وقلبٌ لم يُقرأ، وقصائد كثيرة نسيتُ أين كتبتُها، لكنني أذكر أنها كانت صادقة، وأنها بكتْ معي حين لم يبكِ أحد. وها أنا أبحث عن عمل… أتابع فيديوهات تعليمية في “الكتابة التجارية”، وأكتب الملاحظات في دفترٍ كان في الماضي مشروع ديوان شعري ثالث. وكل صفحة منه الآن تصيح بي: “لماذا تُخلق لنا هذا المصير؟” فأخبرها أنني رجلٌ تآكل على الهامش، ويحاول أن يكون قابلاً للعثور عليه في هذا العالم الرقمي، حيث تُقاس القلوب بمعدّلات تحويل، ونِسَب ارتداد، ومعدّلات نقر.
أنا شاعر، وأبحث عن عمل…
أتنكّر بلغة السوق، وأبحث عن فرصة في محتوى رقمي لا يفهم الشعر، لكن ربما يحتاجه دون أن يدري! أدخل إلى المواقع المخصصة للوظائف كما يدخل فقيرٌ إلى معرض ساعات فاخرة، وفي خانة البحث أكتب: “كاتب محتوى” _ هكذا علّمني اليأس أن أُجمِّل انكساراتي بأسماءٍ تُشبه وظائف الآخرين _ وفي خانة “الخبرات السابقة” أكذب قليلاً، وأقول إن لديّ “خبرة خمس سنوات في التسويق” بينما خبرتي الحقيقية هي خمس سنواتٍ من السقوط دون قاع، خمس سنوات من الكتابة إلى حسابات بريدية لا ترد حتى السلام. وفي الخانة التي تسأل: “ما الذي يميّزك؟” أكتب: أستطيع أن أبكي دون أن أُحدث ضجيجًا، وأكتب عن هذا البكاء بطريقةٍ تُرضي حتى الحجارة…الخ! لكنهم لا يبحثون عن هذا. يريدون ملفات “وورد” مرتبة، جداول زمنية دقيقة، شهادات خبرة من مؤسساتٍ لا تقرأ الشعر، ونماذج سابقة لحملات ناجحة. وأنا لم أُنجز حملة ناجحة بعد، لم أُدِر صفحات، ولم أكتب منشورات حقّقت تفاعلًا حقيقيًا… لكنني كتبتُ كثيرًا، بلا مقابل، بلا جمهور، بلا منصة. كتبتُ لنفسي كي لا تنطفئ، ولأن لا أحد أنقذني سوى الكلمات، وها أنا الآن أبحث عن فرصة كي أُجيد الحديث بلغة “العلامة”، وكي أتعلّم كيف أبيع المعنى دون أن أبيع نفسي، وأكتب إعلانًا دون أن أبكي في آخره.
أنا شاعر، وأبحث عن عمل…
في التسويق، في كتابة المحتوى، في أي مكانٍ
لا يُعيب على الكلمات أنها تنزف. صحيح أنني لا أجيد البرزنتيشن، ولا أملك حسابًا احترافيًا على لينكدإن، ولا أفهم تمامًا كيف أجعل “النغمة متسقة مع الهوية البصرية”، لكنني قرأت عن “تحسين محركات البحث”، وحاولتُ أن أُقنع نفسي أنّ “الكلمات المفتاحية” قد تفتح لي بابًا لا يشبه هذه العتمة، وتعلمتُ كيف أقول أشياء مثل: “استراتيجيات النمو”، “جذب العملاء”، “تحويل الزوّار إلى فرص”… وأنا بالكاد أستطيع تحويل أيامي إلى خبزٍ صالح للأكل. ولطالما قرأت كثيرًا عن “التسويق بالمحتوى”، عن “دورة حياة العميل”، عن “تحليل الجمهور”، وعن أهمية “القصّة” في بناء العلامة التجارية… وظللت أتساءل: هل يُمكن أن أبيع قصتي؟ وهل تُعتبر خساراتي المتكررة “أصلًا قابلًا للترويج”؟
أنا شاعر، وأبحث عن عمل في التسويق… لا حبًا في البيع، ولا شغفًا بالأرقام، بل لأن القصيدة لم تعد تكفي لشراء الرغيف، ولا لتمديد اشتراك الإنترنت. الذي أحتاجه كي أبحث عن وظيفة
أكتب فيها… أنا لا أسأل عن راتب كبير، ولا مكتب مريح، ولا “امتيازات وظيفية”. أطلب فقط أن أكتب… مقابل أي شيء يكفّ جوعي عن الإملاء. جربوني قليلا، ليس بدوام كامل، فأنا لا أتحمل الأملَ. الكامل.. أعطوني نصف مهمة، فقرة وصف منتج منسيّ، مقالًا في ذيل المدونة، أو إعلانًا لشيءٍ لا يُباع، فأنا أجيد “كتابة الإعلانات” في حين تختلج في صدري قصيدة عن فتاةٍ نسيتُ ملامحها لكني ما زلتُ أذكر صوتها حين قالت: “الشعر ما يأكِّلش عيش”
ملاحظة مش مهمة: “إذا أعجبك ما قرأته، فادعُ لي ألا أضيع أكثر… أو شاركه مع من لديه وظيفة شاغرة في فريق تسويق يتحمّل شاعرًا لا يُجيد سوى أن ينهار بطريقة قابلة للنشر.”